معـنى الدعاء
الدعاء هو تعبير عن ظاهرة روحية مستقلة تنطلق من إحساس النفس المؤمنة بعظمة من تلجأ إليه ، وعبوديتها له ، وحاجتها للإرتباط به .
وعلى هذا الأساس فهو أقرب شعائر الإيمان للخالق العظيم ، والصلة المشتركة بين بني الإنسان بمن يتصلون به (أي الصلاة المشتركة بين جميع الأديان) .
وتضمنت السنة النبوية الشريفة ، أصولاً مهمة ممّا كان يدعو به نبي الرحمة (ص) ، ويناجي به ربّه ، ويعلمه لأصحابه وسائر المؤمنين مبتدئاً بأهله .
كما أورد القرآن المجيد أمثلة عديدة ، حُكي بعضها على لسان الأنبياء والصالحين ، وساق بعضها الآخر تعليماً للمؤمنين ، وإرشاداً لهم إلى ما ينبغي أن يُدعى به خالق الكونين .
وفي نفس المنوال نسج الأئمة والصالحون ، ففاضت على ألسنتهم أدعية وابتهالات كثيرة تذخر بالتجارب الروحية ، والمعاني والقيم الإنسانية ، والمفاهيم الإجتماعية والدينية .
وخصصوا طرداً كبيراً ، ووضعوا منهجاً زاخراً بالمفاهيم التي تؤدي المطلوب وتريح النفوس ، وتسمو بالإنسان حتى يتعلق بالذات القدسية في مواضع شتى ، سوف أتعرض لها إجمالاً لانفراد بحثي في هذا الكتاب في الشهر الفضيل (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ).
وكما أنه شهر التوبة والغفران ، هو باب من أبواب الله الذي يُـؤتى منه ، وحيث يُحجَـر فيه الشيطان ، فلا سلطان له على الإنسان خلال هذا الشهر المبارك .
إغتنام الفرصة فيه للتوبة ، والتمسك بحبل الله المتين ، والإخلاص له بالعمل ، هو من أفضل العبادات ، ومنجٍ من عذاب الله ، كما أنه سوف يحول السيئات إلى حسنات . فالدعاء فيه واجب ظنِّي ، وهو الطلب من الله ، والرغبة فيما عنده من الخير .
عـودة لبداية الصفحة الــدعـــــاء
لقد استعمله الأنبياء والصالحون منذ آدم (ع) . ومما جاء في كتاب الله العظيم على لسان آدم وحواء : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) الأعراف 23 .
هذا بخصوص النفس ، والتوبة والتوسل لقبول الإعتذار ، والإقرار لله تعالى بما كان ، والتسليم له بأنه هو القادر على كل شيء .
أما نوحٌ حين ناجى ربه بعد اليأس من إيمان قومه ، واستهزائهم ، وتكذيبهم بآيات الله : ( ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم * ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين) .
وكما أن باقي الأنبياء لجؤوا إلى الدعاء في مواطن الشدة والرخاء كذلك ، حيث إنه الإتصال المباشر في أي وقت بالله تعالى .
وسوف أتعرض لأوقاته التي تكون فيها الإستجابة سريعة . وكما نرى هنا (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) .
( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين * وزكريا إذ نادى ربه ربي لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحي وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء 87-90 .
فما أضعفنا ، وما أوسع الأبواب التي ندخل منها لرضاه سبحانه وتعالى ، حيث فتح أعيننا على السبيل المؤدي إليه ، وأتحفنا بالتوبة التي هي رحمة الله للإنسان ما زال وبقي على وجه الأرض ، ونوراً له حين دخوله في بطنها إلى يوم يلقاه ، فيقول له خذ حتى ترضى في يوم الجزاء الأوفى .
عـودة لبداية الصفحة أثر الــدعـــــاء
قال الله تعالى في محكم كتابه العظيم : (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة 186.
وأكد النبي (ص) ، وأهل بيته عليهم السلام ، بالحث والترغيب الشديدين على الدعاء ، وقد روي عن الرسول الأكرم : (الدعاء سلاح المؤمن) الكافي ج2ص468 وبحار الأنوار ج93 ص294.
وكما قال رسول الله (ص) : ( ما من مؤمن دعا الله تعالى بدعوة ليست فيها قطيعة رحم ، ولا استجلاب إثم ، إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث : إما أن يعجل له استجابة الدعوة ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يرفع عنه مثلها من السوء) بحار الأنوار ج93 ص295 .
وورد عن آل البيت عليهم السلام : (لا يُرد القضاء إلا بالدعاء) بحار الأنوار ج8 ص296 . أي لا يصرفه ويدفعه ويهونه إلا الدعاء .
وكما قالوا : (إن الدعاء يرد البلاء) بحار الأنوار ج93 ص295 .
وقالوا : ( الدعاء مفتاح نجاح) بحار الأنوار ج93 ص341 . أي الظـَفـَر بالمطلوب والحصول عليه بسبب التوسل بالخالق .
وعن أبي عبدالله (ع) : (أكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة) ... (وليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه) مكارم الأخلاق ص299 .
وعن علي بن أبي طالب (ع) : (تقدموا بالدعاء قبل نزول البلاء) سفينة البحار ج1 ص449 .
وكما قال سيد البلغاء (ع) : (ما المبتلى الذي قد اشتد به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء) بحار الأنوار ج93 ص301 .
فبما أن دعاء الله سبحانه وتعالى يوقظ القلوب من الغفلة ، ويمد روح الإنسان بالتفاعل مع الحياة ، فتتيسر الأسباب لحاجته المشروعة ، وتكون لديه القوة النفسية الكافية لمواجهة المشاكل ، لكون الدعاء يعني الإعتماد على القدرة المطلقة لذات الله سبحانه التي تحكم الكونين .
ولنشاهد ما أوصى به الإمام علي بن أبي طالب (ع) ولده الحسن (ع) فقال : (واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك بالدعاء ، وتكفل لك الإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه ، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ، ولم يعاجلك بالنقمة ، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يُِؤيسك من الرحمة ، بل جعل نزوعك - انقطاعك - عن الذنب حسنة ، وحسب سيئتك واحدة ، وحسب حسنتك عشرة ، وفتح لك باب المتاب - التوبة - ، فإذا ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فأفضيت إليه بحاجتك ، وشكوت إليه همومك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره ، من زيادة الأعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزق) .
هذا والدعاء هو نوع من أبواب القبول السريع للعامل الذي جهد نفسه في سبيل رضا الخالق ، وليس الدعاء بالإتكالية والأحلام ، وترك المثابرة . فهذا منهج الأنبياء والأئمة والصالحين الذين يلتزمون الدعاء ، ويجدّون في أمور الحياة المشروعة في دفع الضرر وجلب المنفعة التي كان أحد السبل إليها الدعاء .